فصل: (سورة الرعد: آية 19)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى وكيع عن سلمة بن سبط عن الضحاك قال: ما تغلب عليه محمد صلى الله عليه وسلم من أرض العدو.
جبير عن الضحاك قال: أو لم ير أهل مكة إنا نفتح لمحمد ما حوله من القرى.
وروى إسحاق بن إبراهيم السلمي عن مقاتل بن سليمان قال: الأرض مكة وننقصها من أطرافها غلبة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عليها وانتقاصهم وازدياد المسلمين. فكيف لا يعتبرون وقال قوم: معناه أو لم يروا إلى الأرض ننقصها أفلا تخافون إن جعل بهم بأرضهم مثل ذلك فيهلكهم ويخرب أرضهم.
ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: خراب الأرض وقبض أهلها.
يزيد الخوي عن عكرمة قال: يعني قبض الناس.
وقال: لو نقصت الأرض لصارت مثل هذه وعقد بيده سويتين.
عثمان بن السنّاج عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قال: موت أهل الأرض.
طلحة بن أبي طلحة القناد عن الشعبي: قبض الأنفس والثمرات.
علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: نقصان أهلها وتركها.
عثمان بن عطاء عن أبيه: قال ذهاب علمائها وفقهائها.
قال الثعلبي: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه السرخسي قال: حدثنا أبو لبيد بن محمد بن إدريس البسطامي حدثنا سعد بن سعيد حدثنا أبي حدثنا أبو حفص عن محمد بن عبد الله عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذوا العلم قبل أن يذهب».
قلنا: وكيف يذهب العلم والقرآن بين أظهرنا قد أثبته الله في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نقرأه ونقرئه أولادنا فأنصت ثم قال هل ظلت اليهود والنصارى الا والتوراة بين أظهرهم ذهاب العلم ذهاب العلماء.
وحدثنا الأُستاذ أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب لفظًا في صفر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة في آخرين.
قالوا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أبو ضمرة وأنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمر بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يترك عالمًا اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا».
وحدثنا أبو القاسم أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد حدثنا العباس بن حمزة حدثنا [...] السدي حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن عبد الله بن عبد الرحمن عن سالم بن أبي الجنيد عن أبي الدرداء أنه قال: يا أهل حمص مالي أرى أنّ علماؤكم يذهبون وجهالكم لا يتعلمون، فأراكم قد أقبلتم على ما يكفل لكم، وضيعتم ما وكلتم به اعلموا قبل أن يرفع العلم فإن رفع العلم ذهاب العلماء.
وأخبرنا أبو القاسم حدثنا عبد الله بن المأمون بهرات حدثنا أبي حدثنا خطام بن الكاد بن الجراح عن أبيه عن جويبر عن الضحاك قال: قال علي-رضي الله عنه-: إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كفٌ لم تعد.
حدثنا أبو القاسم حدثنا أبي حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد الرازي الزعفراني حدثنا عمر بن مدرك البلخي، أبو حفص حدثنا مكي بن إبراهيم حدثنا هشام بن حيان عن الحسين قال: قال عبد الله بن مسعود: موت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار.
ومنه عن الرازي حدثنا عمرو بن تميم الطبري. أخبرنا محمد بن الصلت. حدثنا عباد بن العوام عن هلال عن حيان قال: قلت لسعيد بن جبير ما علامة هلاك الناس؟ قال: هلاك علمائهم، ونظير هذه الآية في سورة الأنبياء عليهم السلام.
{والله يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} لا راد لحكمه، والمعقب في كلام العرب الذي يكرّ على الشيء ويتبعه.
قال لبيد:
حتى تهجر في الرواح وهاجه ** طلب المعقب حقه المظلوم

{وَهُوَ سَرِيعُ الحساب وَقَدْ مَكَرَ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني من قبل مشركي مكة: {فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا} يعني له أسباب المكر وبيده الخير والشر وإليه النفع والضر فلا يضر مكر أحد أحدًا إلاّ من أراد الله ضره، وقيل: معناه له جزاء إليكم.
{يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الكفار} سيعلم: قرأ ابن كثير وأبو عمر: الكافر على الواحد، والباقون على الجمع.
{لِمَنْ عُقْبَى الدار} عاقبة الدار الآخرة ممن يدخلون النار ويدخل المؤمنون الجنة: {وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كفى بالله شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} إني رسوله إليكم،: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} أيضًا يشهدون على ذلك. هم مؤمنو أهل الكتاب.
وقرأ الحسين وسعيد بن جبير: {وَمَنْ عِندَهُ} بكسر الميم والدال. علم الكتاب مبني على الفعل المجهول.
وروى أبو عوانة عن أبي الخير قال: قلت لسعيد بن جبير: {وَمِنْ عِندِهُ عِلْمُ الكتاب} أهو عبد الله بن سلام؟ قال: كيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية.
وكان سعيد يقرأها: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب}، ودليل هذه القراءة قوله: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا} [الكهف: 65] وقوله: {الرحمن عَلَّمَ القرآن} [الرحمن: 1-2].
وأخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن بابويه أخبرنا أبو رجاء محمد بن حامد بن محمد المقرئ بمكة حدثنا محمد بن حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأها ومن عنده علم الكتاب.
وبه عن السمري حدثنا أبو توبه عن الكسائي عن سليمان عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال: قال: وذكر الله أشدّ فذكر إنه حيث جاء إلى الدار ليسلم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} بكسر الميم وسمعه في الركعة الثانية يقرأ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين} [العنكبوت: 49] الآية.
أخبرني أبو محمد عبد الله بن محمد الفاسي حدثنا القاضي الحسين بن محمد بن عثمان النصيبي أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين السميعي بحلب حدثني الحسين بن إبراهيم بن الحسين الجصاص. أخبرنا الحسين بن الحكم حدثنا سعيد بن عثمان عن أبي مريم وحدثني بن عبد الله ابن عطاء قال: كنت جالسًا مع أبي جعفر في المسجد فرأيت ابن عبد الله بن سلام جالسًا في ناحية فقلت لأبي جعفر: زعموا أنّ الذي عنده علم الكتاب عبد الله بن سلام. فقال: إنما ذلك علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-.
وفيه عن السبيعي: حدثنا عبد الله بن محمد بن منصور بن الجنيد الرازي عن محمد بن الحسين بن الكتاب.
أحمد بن مفضل حدثنا مندل بن علي عن إسماعيل بن سلمان عن أبي عمر زاذان عن ابن الحنفية: {وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} قال: هو علي بن أبي طالب. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة الرعد: آية 19]

{أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (19)}
دخلت همزة الإنكار على الفاء في قوله: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ} لإنكار أن تقع شبهة بعد ما ضرب من المثل في أنّ حال من علم {أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ} فاستجاب، بمعزل من حال الجاهل الذي لم يستبصر فيستجيب: كبعد ما بين الزبد والماء والخبث والإبريز {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} أى الذين عملوا على قضيات عقولهم، فنظروا واستبصروا.

.[سورة الرعد: الآيات 20- 24]

{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)}
{الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} مبتدأ. {وأُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ} خبره كقوله: {والذين ينقضون عهد اللّه} {أولئك لهم اللعنة}. ويجوز أن يكون صفة لأولى الألباب، والأوّل أوجه.
وعهد اللّه: ما عقدوه على أنفسهم من الشهادة بربوبيته {وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى}. {وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ} ولا ينقضون كل ما وثقوه على أنفسهم وقبلوه: من الإيمان باللّه وغيره من المواثيق بينهم وبين اللّه وبين العباد، تعميم بعد تخصيص {ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ} من الأرحام والقرابات، ويدخل فيه وصل قرابة رسول اللّه وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الإيمان {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} بالإحسان إليهم على حسب الطاقة، ونصرتهم، والذب عنهم، والشفقة عليهم، والنصيحة لهم، وطرح التفرقة بين أنفسهم وبينهم، وإفشاء السلام عليهم، وعيادة مرضاهم، وشهود جنائزهم. ومنه مراعاة حق الأصحاب والخدم والجيران والرفقاء في السفر، وكل ما تعلق منهم بسبب، حتى الهرة والدجاجة. وعن الفضيل بن عياض أنّ جماعة دخلوا عليه بمكة فقال: من أين أنتم؟ قالوا: من أهل خراسان. قال: اتقوا اللّه وكونوا من حيث شئتم، واعلموا أنّ العبد لو أحسن الإحسان كله وكانت له دجاجة فأساء إليها لم يكن من المحسنين {وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أى يخشون وعيده كله {وَيَخافُونَ} خصوصًا سُوءَ الْحِسابِ فيحاسبون أنفسهم قبل أن يحاسبوا {صَبَرُوا} مطلق فيما يصبر عليه من المصائب في النفوس والأموال ومشاق التكليف {ابْتِغاءَ وَجْهِ اللّه}، لا ليقال: ما أصبره وأحمله للنوازل، وأوقره عند الزلازل، ولا لئلا يعاب بالجزع ولئلا يشمت به الأعداء كقوله:
وَتَجَلُّدِى لِلشّامِتِينَ أُرِيهِمُ

ولا لأنه لا طائل تحت الهلع ولا مردّ فيه للفائت، كقوله:
مَا إنْ جَزِعْتُ وَلَا هَلَعْ ** تُ وَلَا يَرُدُّ بُكَاىَ زَنْدَا

وكل عمل له وجوه يعمل عليها، فعلى المؤمن أن ينوى منها ما به كان حسنًا عند اللّه، وإلا لم يستحق به ثوابًا، وكان فعل كلا فعل {مِمَّا رَزَقْناهُمْ} من الحلال، لأنّ الحرام لا يكون رزقا ولا يسند إلى اللّه {سِرًّا وَعَلانِيَةً} يتناول النوافل، لأنها في السر أفضل- والفرائض، لوجوب المجاهرة بها نفيًا للتهمة {وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} ويدفعونها. عن ابن عباس: يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيئ غيرهم. وعن الحسن: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا، وإذا قطعوا وصلوا. وعن ابن كيسان: إذا أذنبوا تابوا. وقيل: إذا رأوا منكرًا أمروا بتغييره {عُقْبَى الدَّارِ} عاقبة الدنيا وهي الجنة، لأنها التي أراد اللّه أن تكون عاقبة الدنيا ومرجع أهلها. و{جَنَّاتُ عَدْنٍ} بدل من عقبى الدار. وقرئ: {فنعم}، بفتح النون. والأصل: نعم. فمن كسر النون فلنقل كسرة العين إليها، ومن فتح فقد سكن العين ولم ينقل وقرى: {يَدْخُلُونَها} على البناء للمفعول. وقرأ ابن أبى عبلة {صَلَحَ} بضم اللام، والفتح أفصح، أعلم أنّ الأنساب لا تنفع إذا تجردت من الأعمال الصالحة. وآباؤهم جمع أبوى كل واحد منهم، فكأنه قيل من آبائهم وأمهاتهم {سَلامٌ عَلَيْكُمْ} في موضع الحال، لأنّ المعنى: قائلين سلام عليكم، أو مسلمين. فإن قلت: بم تعلق قوله: {بِما صَبَرْتُمْ}؟ قلت: بمحذوف تقديره: هذا بما صبرتم، يعنون هذا الثواب بسبب صبركم، أو بدل ما احتملتم من مشاق الصبر ومتاعبه هذه الملاذ والنعم. والمعنى: لئن تعبتم في الدنيا لقد استرحتم الساعة، كقوله:
بِمَا قَدْ أرَى فِيهَا أوَانِسَ بُدَّنَا

وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه كان يأتى قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول «السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار» ويجوز أن يتعلق بسلام، أى نسلم عليكم ونكرمكم بصبركم.

.[سورة الرعد: آية 25]

{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (25)}
{مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ} من بعد ما أوثقوه به من الاعتراف والقبول {سُوءُ الدَّارِ} يحتمل أن يراد سوء عاقبة الدنيا، لأنه في مقابلة عقبى الدار،. ويجوز أن يراد بالدار جهنم، وبسوئها عذابها.

.[سورة الرعد: آية 26]

{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ مَتاعٌ (26)}
{اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} أى اللّه وحده هو يبسط الرزق ويقدره دون غيره، وهو الذي بسط رزق أهل مكة ووسعه عليهم {وَفَرِحُوا} بما بسط لهم من الدنيا فرح بطر وأشر لا فرح سرور بفضل اللّه وإنعامه عليهم، ولم يقابلوه بالشكر حتى يستوجبوا نعيم الآخرة، وخفى عليهم أن نعيم الدنيا في جنب نعيم الآخرة ليس إلا شيئًا نزرا يتمتع به كعجالة الراكب، وهو ما يتعجله من تميرات أو شربة سويق أو نحو ذلك.

.[سورة الرعد: الآيات 27- 29]

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ (27) الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (29)}
فإن قلت: كيف طابق قولهم {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قوله: {قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاء}؟ قلت: هو كلام يجرى مجرى التعجب من قولهم، وذلك أن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لم يؤتها نبيّ قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية، فإذا جحدوها ولم يعتدّوا بها وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه فط، كان موضعًا للتعجب والاستنكار، فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشد تصميمكم على كفركم: إن اللّه يضل من يشاء ممن كان على صفتكم من التصميم وشدّة الشكيمة في الكفر، فلا سبيل إلى اهتدائهم وإن أنزلت كل آية {وَيَهْدِي إِلَيْهِ} مَنْ كان على خلاف صفتكم {أَنابَ} أقبل إلى الحق، وحقيقته دخل في نوبة الخير، و{الَّذِينَ آمَنُوا} بدل من {مَنْ أَناب}. {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} بذكر رحمته ومغفرته بعد القلق والاضطراب من خشيته، كقوله: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ} أو تطمئن بذكر دلائله الدالة على وحدانيته، أو تطمئن بالقرآن لأنه معجزة بينة تسكن القلوب وتثبت اليقين فيها {الَّذِينَ آمَنُوا} مبتدأ، و{طُوبى لَهُمْ} خبره. ويجوز أن يكون بدلا من القلوب، على تقدير حذف المضاف، أى: تطمئن القلوب قلوب الذين آمنوا، وطوبى مصدر من طاب، كبشرى وزلفى. ومعنى طوبى لك أصبت خيرًا وطيبا، ومحلها النصب أو الرفع، كقولك: طيبا لك، وطيب لك، وسلاما لك، وسلام لك. والقراءة في قوله: {وَحُسْنُ مَآبٍ} بالرفع والنصب، تدلك على محليها. واللام في {لَهُمْ} للبيان مثلها في سقيا لك، والواو في {طوبى} منقلبة عن ياء لضمة ما قبلها، كموقن وموسر. وقرأ مكوزة الأعرابى: {طيبي لهم}، فكسر الطاء لتسلم الياء، كما قيل: بيض ومعيشة.